تحليلات

الروس يدخلون على خط الأزمة اليمنية والحوثيون أمام اختبار حقيقي للاستفادة من القلق الخليجي من الموقف الروسي

يمنات – خاص

أنس القباطي

اربك الروس حسابات دول الخليج تجاه اليمن، بعد إحباط روسيا مشروع قرار في مجلس الأمن تبنته دول الخليج الست، يدين الحوثيين، الذين باتوا المسيطرين على السلطة في العاصمة اليمنية صنعاء.

دخول روسيا على خط الأزمة اليمنية، سيعيد ترتيب أوراق الأزمة الراهنة بشكل ربما يرجح كفة الحوثيين، الذين لا يزالون يخوضون مارثون مفاوضات مع الأطراف السياسية في البلاد، بهدف التوصل لحل ينهي الأزمة الراهنة منذ استقالة الرئيس هادي و حكومة بحاح نهاية الشهر الماضي، و الاعلان الدستوري للحوثيين في الـ”6″ من الشهر الجاري.

جدية الموقف الروسي

الخليجيون يدركون تماما مدى جدية الموقف الروسي، و لديهم تجربة كافية في هذا الجانب في الأزمة السورية التي صار الروس طرفا فاعلا فيها، بل و آلت إليهم الأزمة الروسية بأكملها، و التي بدأت بالفعل بفتح قنوات حوار مباشر في موسكو بين الحكومة و المعارضة الروسية بعد فشل دول الخليج في تحقيق تقدم على الأرض عن طريق دعم بعض الأطراف لإسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

الموقف الروسي و بما أثاره من قلق لدى دول الخليج، و دفعها باتجاه فتح قنوات تفاوض مع الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن للوصول إلى موقف موحد تجاه اليمن، أثار حالة من الخوف لدى خصوم الحوثيين في اليمن، و بالذات حزب الإصلاح، الذي بدا له بأن مرحلة ترميم علاقاته مع السعودية لاحت إلى الأفق، حين افشل مشروع اتفاق لتشكيل مجلس رئاسي خلفا للرئيس هادي، بايعاز سعودي، دفع بالأمور إلى الاعلان الدستوري من طرف الحوثيين بشكل احادي.

الإصلاح بات منذ يومين و قد قلل من حدة خطابه الذي صعده خلال الأيام الماضية، بعد ركونه لوجود سند اقليمي لمواقفه، خاصة و أن هذا السند كان يمثل الداعم الرئيس له خلال سنوات طويلة.

الاصلاح والموقف الروسي

الإصلاح حاول طرح مبادرة للحل، بدت مقبولة في بعض نقاطها، كخط رجعة بهدف تخفيف حدة الصدام مع الحوثيين بعد بروز الموقف الروسي، الذي أجبر الدول الخليجية على فتح تفاوض مع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، للتوصل لاتفاق موحد بشأن الأزمة اليمنية، قبيل الجلسة القادمة لمجلس الأمن.

أمل لاح واختفى

الإصلاح كطرف متضرر من دخول الحوثيين العاصمة صنعاء في ال21 من سبتمبر 2014 و انقطاع علاقتهم بسندهم الاقليمي – السعودية – منذ 30يونيو 2014م، وجدوا ضالتهم في العودة إلى السلطة و التحكم بها، عقب تقاربهم مع الموقف السعودي الأخير بعد وصول الملك سلمان لسدة الحكم، غير أن الموقف الروسي احبط أحلامهم و دفعهم للبحث في مخارج أخرى تضمن تجنبيهم الخسارة التي لن يتعافوا منها إن وقعت.

هناك من يرى أن دخول الروس على خط الأزمة اليمنية سيعيد ترتيب خارطة التحالفات على الساحة اليمنية، و لعل التقارب في الطرح بين الحوثيين و الاشتراكي، احدى هذه المؤشرات التي تبدو راسمة لتحالفات جديدة قد تظهر على الساحة السياسية خلال الفترة القادمة.

تعامل الحالة مع المستجدات

مراقبون يرون أنه بات على الحوثي، التغيير في طريقة تعامله و أدواته وطريقة تفاعله مع المرحلة الراهنة، حيث أن ما بعد استقالة الرئيس هادي تختلف عما قبلها تماما، خاصة و أنهم باتوا مسيطرين على مفاصل الدولة و مسئولين عن أي أخطاء أو اربكات في الجوانب الأمنية و العسكرية و الاقتصادية و غيرها.

و اشاروا أن على الحوثيين التعاطي مع الواقع كحركة سياسية و ليس كمليشيات مسلحة، و ضرورة نسج تحالفات مع قوى و أطراف في الساحة اليمنية قائمة على مبدأ التقارب في الطرح و الرؤى السياسية و بناء تحالف قوي قائم على مبدأ الشراكة و الندية.

و أكدوا أن على الحوثيين أن يقدموا أنفسهم للشارع اليمني بشكل عام يتعاطون السياسية، بعيدا عن لغة فرض الأمر الواقع بالبندقية، بهدف احداث تغيير عميق في البلاد يدفعها نحو الأفضل و اقناع الشارع بهذا الهدف، و الذي يبدأ من خلال الدفع بقوة باتجاه إعادة الحياة لمؤسسات الدولة و تفعيل أجهزة الرقابة و بناء جيش و أمن ببعد وطني، و ضرورة رفع المظاهر المسلحة من المدن و العاصمة و التسليم بضرورة الاحتكام للدولة بعيدا عن لجان و مسلحي الجماعة.

و يرون أن هذا الخيار سيتيح أمام الجماعة كثير من الصعوبات التي تواجهها اليوم، و سيدفع بهم نحو العمل السياسي القائم على الحوار.

قمع الاحتجاجات شوه الجماعة

و بالتالي فإن توجه الجماعة منذ الإعلان الدستوري لقمع الاحتجاجات السلمية، شوه الجماعة و وضعها في خانة القوى التي حكمت البلاد قبل و بعد العام 2011م، ما جعلها في موضع نفور من باقي القوى التي وجدت نفسها مضطرة للابتعاد عنها، لما تمارسه مليشيات الجماعة من عمليات قمع تتنافى مع أبسط حقوق الانسان.

و مع الحصار الذي بدأ على الجماعة و محاولة عزلها اقليميا و محليا و دوليا و بالتالي اسقاطها و تشويه صورتها شعبيا، بات من الضرورة على الجماعة الاستفادة من الموقف الروسي كسند دولي لاعادة ترتيب وضع الجماعة كحركة سياسية و بناء تحالفات داخلية قائمة على أساس الشراكة و تحالفات اقليمية و دولية قائمة على أساس المصلحة المشتركة.

اغتنام الفرصة

و من هنا بات على الحوثيين أن يتعاملوا مع الواقع الجديد كفرصة مواتية لن تتكرر، غير أنه لا يمكن الاستفادة من هذه الفرصة إلا بتغيير الجماعة لأدوات تعاطيعها مع الواقع و تقديم نفسها كجماعة سياسية و ليس كمليشيا مسلحة و توسيع دائرة تحالفاها و ضرورة تقديم نفسها على المستوى الوطني كشريك فاعل في مسار بناء الدولة المدنية و تفعيل مؤسسات الدولة و أولها المؤسسة العسكرية و الأمنية، و ذلك لن يتم إلا عبر تحالف ندي للجماعة مع عدد من القوى الفاعلة على الساحة و التي تحظى بقبول شعبي يؤهلها لصياغة معالم المرحلة القادمة.

الموقف الخليجي تجاه الحوثيين ستتراجع حدته بعد ما حصل في مجلس الأمن، فالخليجيون الذين كانوا ينظرون لليمن بعد وصول الحوثيين على أنها حاملة طائرات ايرانية رابضة عند حدودهم الجنوبية، باتوا يشعرون أن تصورهم خاب و أن الأمر أبعد من ذلك، فحاملة الطائرات الإيرانية بإمكانهم إجبارها على الإقلاع، لكنهم لن يستطيعوا إجبار البارجات الروسية التي تمخر عباب البحرين الأحمر و العربي والخليج العربي من المغادرة.

وضع صعب للخليجيين

بات السعوديون بالذات في وضع يحسد عليه، و مدركين أن وقوفهم وراء تدهور أسعار النفط في العالم بهدف محاصرة روسيا، سيدفعون ثمنه في اليمن، خاصة و أنهم يعلمون تماما ماذا يعني الموقف الروسي..؟ و هو ما بات على الحوثيين إدراكه و ضرورة الاستفادة منه، قبل أن تصل الأمور إلى تفاهمات روسية – سعودية، من منطلق المصالح المشتركة، و التي إن وصلت إلى هذه المرحلة قبل أن يستفيد منها الحوثيين، ستنعكس اثارها سلبا عليهم .. فهل يفهمها الحوثيون..؟

زر الذهاب إلى الأعلى